لم يكن تفشي وباء كورونا أو كوفيد-19 هو الفيروس الخطير الوحيد الذي انتشر حول العالم، حيث صحبه أيضًا انتشار مهول وسريع للشائعات والمعلومات الكاذبة والأخبار الزائفة عنه، وتعتبر هذه الأخبار الزائفة جزءًا من وباء أكبر يسبب الارتباك والخوف.
لقد عجّت وسائل التواصل الاجتماعي بشائعات خاطئة عن أعراض كوفيد-19 وسبل الوقاية منه، واستغلت خوف الجمهور من المرض عن طريق تقديم طرق وقاية وعلاج خالية من المصادر العلمية والطبية من أجل جني الأرباح الاقتصادية أو لزيادة متابعة وشهرة صفحة ما على وسائل التواصل الاجتماعي.
انتشار الشائعات والأخبار الكاذبة أدى إلى انتشار الهلع والقلق بوتيرةٍ أعلى من انتشار الفايروس نفسه كما صرّحت مسؤولة منصّات التواصل الاجتماعي في منظمة الصحة العالمية، حيث قامت منظّمة الصحّة العالمية بالتطرّق إلى هذه الظاهرة في تقريرٍ لها في تاريخ 2 فبراير/شباط من العام الجاري وأشارت إلى أن تفشّي فايروس كورونا في نهاية عام 2019 صحب معه كم ضخم من المعلومات غير المسبوقة، بعضها دقيق وصحيح وبعضها زائف[1].
وفي حين يكافح العاملون في الصحة البلدان التي انتشر فيها الوباء بتفان منقطع النظير لعلاج المصابين، ويحاول العلماء والمختبرات في العديد من البلدان ايجاد دواء ولقاح له، فإن آخرين أيضًا يعملون على القضاء على مشكلة تصفها منظمة الصحة العالمية بأنها "وبائية"، ألا وهي ما أطلق عليه "وباء المعلومات" والذي هو ترجمة للمصطلح باللغة الإنجليزية (Infodemic).
عرّفت منظمة الصحة العالمية "وباء المعلومات" بأنه صعوبة قدرة الأفراد للوصول إلى المصادر الموثوقة والإرشادات ذات المصداقية عند الحاجة[2]، وتؤدي هذه الظاهرة بدورها إلى سهولة وسرعة انتشار المعلومات المزيفة أوالمضللة خاصة على وسائل التواصل الاجتماعي. وتسمح وسائل التواصل الاجتماعي بمشاركة المعلومات بسهولة، وخلافًا لمنافذ الأخبار التقليدية فإنه يسهل من على منصات وسائل التواصل الاجتماعي ، ترويج أنصاف الحقائق والتلميحات والإشاعات، خاصة ان نسبة عالية من المواطنين يستقون الاخبار منها.
ومنذ تسجيل الإصابات الأولى لكورونا (كوفيد-19) في مدينة ووهان الصينية، بدأت الشائعات والأخبار الكاذبة تنتشر على المواقع الإلكترونية الهامشية ووسائل التواصل الاجتماعي. وفي حين تخدم هذه الشائعات مصالح مروجيها، فإنها من جهة أخرى تصيب المتلقي بالإرباك وتجعله عرضة للتضليل، أو قد تضر بسمعة الفرد وخصوصيته، أو تحرض على العنف أو التمييز أو العداء ضد مجموعات محددة في المجتمع. ومن الأمثلة على بعض الشائعات والأخبار المضلله التي انتشرت إبان ظهور كوفيد-19 هي ترويج "نظرية المؤامرة" والقول بأنه سلاح بيولوجي طورته دولة عظمى لإلحاق الضرر بدولة أخرى، وعاد الرئيس الامريكي احياء هذه "النظرية في الفترة الاخيرة،رغم نفي منظمة الصحة العالمية لها والكثير من المختصين والعلماء، كما حاول البعض ترويج سبب ظهور الفيروس لاستخدام تقنية 5G ، حيث إن مدينة ووهان كانت من من أوائل المناطق التي اعتمدت تلك التقنية.
وترافق الإعلان عن أولى الحالات التي أصابها فيروس كوفيد-19 في فلسطين، وتحديدًا في منطقة بيت لحم في آذار/مارس 2020 عن انتشار سريعٍ للشائعات على مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة على موقع "فيسبوك" والذي يستعمله الفلسطينيون/ات بكثرة، حيث إن الإحصائيات الرسمية الصادرة عن موقع فيسبوك أظهرت أن هناك قرابة 2.200.000 مشترك/ة على موقع الفيسبوك باسم فلسطين، وهذا الرقم في تزايد مستمر[3].
وقد انتشرت الشائعات والأخبار الزائفة كالنار في الهشيم لدى ظهور أولى الحالات المصابة بالفيروس، واختلطت الأخبار الصحيحة بالكاذبة مما سبب بلبلة لدى المواطنين، وأثار حالة من الخوف والهلع لديهم، خاصة وأن الأخبار لم تكن تنشر من مصادر رسمية موحدة وموثوقة (كوزارة الصحة مثلاً) في بداية انتشار المرض؛ حيث نشرت بعض الصفحات الإخبارية على فيسبوك أخبارًا زائفة حول أعداد المصابين بالفيروس، الإعلان عن إصابة أشخاص معينين وتداول أسمائهم على مواقع التواصل الاجتماعي، أو وفاة أحد المصابين بالفيروس (سائق الباص المقدسي مثلاً)، أو شائعات حول انتشار فيروس كوفيد-19 في منطقة معينة لم ينتشر فيها الفيروس آنذاك، أو حتى نشر معلومات طبية ليس لها أساس من الصحة .
المصادر: تيقن وتحقق- كاشف
ونظرا لخطورة الشائعات على المجتمع الفلسطيني بادر المركز الفسطيني للتنمية والحريات الإعلامية (مدى) لاطلاق حملة لمحاربة الشائعات حول كورونا يوم الخميس الموافق 5/3/2020 تحت شعار "الشائعات حول كورونا ليست حرية تعبير"، وذلك في نفس اليوم الذي اعلنت في وزارة الصحة اصابة 7 مواطنين بالفيروس في مدينة بيت لحم. وجاء اطلاق هذه الحملة بعد ما اثارته عمليات نشر واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وبعض وسائل الاعلام من اخبار كاذبة وشائعات حول مصابين بفيروس كورونا في فلسطين، وما ينطوي عليه مثل هذا الامر من ارباك ومخاوف وتداعيات ومخاطر تمس المجتمع بمختلف مؤسساته وأوساطه وتضعف قدرته على التعامل الأمثل مع انتشار المرض. اشتملت الحملة على منشورات وفيديوهات توعوية للصحفيين/ات والنشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام على ضرورة توخي الدقة أثناء نقل الأخبار المتعلقة بكورونا، وكيفية التأكد من مصادر الخبر، وتوعية الجمهور إلى أهمية الحصول على المعلومات من المصادر الأولية والموثوقة. رابط الحملة: https://www.madacenter.org/article/1611/
كما قامت لجنة دعم الصحفيين ومركز "مدى" بتنظيم لقاء طاولة مستديرة في غزة حول "دور الإعلام في الحفاظ على السلم الاجتماعي ونبذ الشائعات المتعلقة بـ"فيروس كورونا" في 12/3/2020. وأكد إعلاميون لصحفيون وممثلو وسائل إعلامية ومثقفون شاركوا في اللقاء، على أهمية استقاء المعلومات من مصادرها الرسمية، ونبذ كل الشائعات حول الفيروس، ووضع محددات للتعامل مع الوباء. رابط الخبر: https://www.madacenter.org/article/1612/
كما أدت الحملة إلى تحفيز مؤسسات أخرى وأفراد ومجموعات على الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي الأخرى للقيام بعمل شبيه لمكافحة هذه الظاهرة، الأمر الذي ساهم في تراجعها لاحقا بشكل كبير. فقد لاحظنا مثلًا أنه في نفس اليوم الذي أطلقنا فيه الحملة والأسابيع التي تلت ذلك أن الكثيرين قاموا بفتح رابط منظمة الصحة العالمية الذي قمنا بنشره مع انطلاق الحملة كما بدؤوا لاحقاً بتتبع المواقع التي تقوم بتدقيق صحة الاخبار والتي قمنا بنشر روابطها على صفحتنا على الفيسبوك.
كما ساهمت العديد من وسائل الاعلام المحلية التي أجرت مقابلات مع مدير عام المركز موسى الريماوي في إيضاح العديد من الأمور المتعلقة بالحملة والترويج لها مما ساعد في تحقيق أهدافها والوصول إلى معظم فئات المجتمع الفلسطيني، التي كانت متعطشة لمعرفة الحقائق وليس الإشاعات.
شعار حملة مركز"مدى"
نماذج من حملة مركز "مدى"
من جهة أخرى، اتخذت الحكومة الفلسطينية اجراءات وخطوات كان لها الدور الاساسي للحدّ من انتشار الشائعات حول كورونا وذلك من خلال القيام بإيجازٍ يومي (صباحي ومسائي) من قبل الناطق باسم الحكومة الاستاذ ابراهيم ملحم بمشاركة من رئيس الوزراء د.محمد اشتية وبمشاركة وزراء في الحكومة خاصة وزيرة الصحة في الفترة الاخيرة ومسؤولين في الوزارة، للإعلان عن عدد الإصابات والمناطق التي ينتشر فيها الفيروس، حالات الوفيات، والحالات الصحية للمصابين بالفيروس، والإعلان عن أبرز القرارات الرسمية بهذا الخصوص.
كما قامت الشرطة الفلسطينية بالتنسيق مع وحدة الجرائم الإلكترونية بإلقاء القبض على مجموعة من مروجي الشائعات والأخبار المضللة حول كورونا على مواقع التواصل الاجتماعي، وتم التعامل معهم وفقًا للقانون، حسب ما أكد الموقع الرسمي للشرطة الفلسطينية. وفي نهاية شهر آذار/مارس أصدرت محافظ رام الله والبيرة، ليلى غنام، تعميمًا يقضي بخصوص ما يعرف بكذبة نيسان، حيث منعت تداول أي تعليق او شكوى يتعلق بفايروس كورونا، وأكدت أن نشر أي كذبات بهذا الموضوع سيقابل بأعلى درجات الضبط وفقاً للقانون.
وبحسب إحصائية لصفحة تحقق – كاشف والتي تدقق في صحة ومصداقية الأخبار المتداولة، فإنه في شهر آذار/ مارس – أي في الشهر الأول لانتشار فيروس كوفيد-19 في فلسطين – رصدت الصفحة ما مجموعه 122 لأخبار مضللة وغير دقيقة ومخالفات مهنية؛ حيث رصدت الصفحة 49 محتوى مضلل، 48 محتوى غير دقيق، و25 مخالفة مهنية، وذلك من قبل مواقع صحفية رسمية أو حسابات وصفحات للمستخدمين. أما في شهر نيسان/ أبريل فرصدت الصفحة ما مجموعه 45 لمحتوىً مضلل وغير دقيق ومخالفات مهنية من قبل مواقع صحفية رسمية أو حسابات وصفحات المستخدمين؛ حيث رصد 19 محتوى مضلل، 23 محتوى غير دقيق، و3 مخالفات مهنية.
جدول (1): مقارنة بأعداد الأخبار المضللة وغير الدقيقة حول كوفيد-19 خلال آذار ونيسان
ويتضح مما سبق أن نسبة الأخبار المضللة والغير دقيقة حول كوفيد-19 انخفضت بما نسبته 63% في شهر نيسان/ أبريل مقارنة بالشهر السابق والذي تزامن مع الإعلان عن أولى الحالات المصابة في فلسطين. ويعود السبب في ذلك إلى الخطوات التي اتخذتها الحكومة وبعض مؤسسات المجتمع المدني وجهود بعض المبادرات على وسائل التواصل الاجتماعي للحد من انتشار الشائعات والمعلومات الكاذبة والمضللة حول كوفيد-19. فعلى سبيل المثال، باشرت بعض الصفحات على موقع فيسبوك، مثل: تحقق – كاشف، تيقّن ومسبار بفحص مصداقية الأخبار المنتشرة والتي تتداولها مواقع صحفية رسمية أو صفحات المستخدمين على مواقع التواصل الاجتماعي، وتبيان ما إن كانت صحيحة أم زائفة للمتلقين، وتبين لهم كذلك مصادر الأخبار الأصلية في حال كانت مزيفة أو مضللة.
تشكل الشائعات والأخبار الزائفة إشكالية خاصة للدول، وذلك لأنه غالبًا ما يتم تصميمهما وتنفيذهما من أجل تضليل السكان، فضلاً عن التدخل في حق الجمهور في المعرفة وحق الأفراد في التماس المعلومات والأفكار وتلقيها، بغض النظر عن الحدود المحمية بموجب الضمانات القانونية الدولية للحق في حرية التعبير عن الرأي[4]. بالإضافة إلى ذلك، تصيب الشائعات المتلقي بالإرباك وتجعله عرضة للتضليل، أو قد تضر بسمعة الفرد وخصوصيته، أو تحرض على العنف أو التمييز أو العداء ضد مجموعات محددة في المجتمع. فعلى سبيل المثال، عانى بعض المصابين/ات في فلسطين بفيروس كورونا لانتهاك لخصوصيتهم وذلك من خلال نشر اسمائهم على مواقع التواصل الاجتماعي وذلك بعد إجرائهم للفحص وقبل معرفتهم النتيجة، وانتشرت شائعات وحملات تشهير ضد بعضهم بكونهم "هاربين" أو يرفضون الذهاب للحجر الصحي. وتعرض البعض الآخر للتنمر والوصمة الاجتماعية التي تصبح خطرًا أكثر من الوباء نفسه، وذلك بسبب إخفاء من تظهر عليه/ا الأعراض عن محيطهم الاجتماعي، تفادياً لتداعياته النفسية عليهم وعلى عائلاتهم، مما يؤدي إلى فقدان السيطرة على انتشار المرض.
إن هذه التجربة أثبتت مجددًا الحاجة الملحة لإقرار قانون الحصول على المعلومات، الذي بوجوده يصبح أسهل بكثير محاربة الشائعات والأخبار المضللة، لذلك فإننا نطالب الحكومة بإقرار القانون بعد انتهاء فترة الطوارئ، والذي يجب ان يكون متوائما مع المعايير الدولية.
[1] CNN. How health officials and social media are teaming up to fight the coronavirus 'infodemic. Retrieved from: https://edition.cnn.com/2020/03/01/tech/coronavirus-social-media-reliable-sources/index.html
[2] World Health Organization (WHO). Novel Coronavirus (Situation Report - 13). Retrieved from: https://www.who.int/docs/default-source/coronaviruse/situation-reports/20200202-sitrep-13-ncov-v3.pdf
[3] دنيا الوطن. فلسطين.. الأولى عالميا (بالنسبة لعدد السكان) بعدد المشتركين الجدد على (فيسبوك). استرجع من: https://www.alwatanvoice.com/arabic/news/2019/02/05/1214863.html
[4] OSCE. Joint Declaration on Freedom of Expression and “Fake News”, Disinformation and Propaganda. Retrieved from: https://www.osce.org/fom/302796?download=true