إبلاغ عن انتهاك

الرئيسية دراسات وابحاث   طباعة الصفحة

حرية الرأي والتعبير وفقاً للمعايير الدولية لحقوق الانسان

حرية الرأي والتعبير وفقا للمعايير الدولية لحقوق الإنسان

 د. طالب عوض

  أكدت المادة (19) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948) الحق في حرية التعبير التي تشمل البحث عن واستقبال وإرسال معلومات وأفكار عبر أي وسيط وبغض النظر عن الحدود.

 وجاء في المادة (19) كذلك من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية ما يلي:

  1. لكل إنسان حق في اعتناق آراء دون مضايقة

2.  لكل إنسان حق في حرية التعبير ويشمل هذا الحق حريته في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون ما اعتبار للحدود سواء على شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها .

3.  تتبع ممارسة الحقوق المنصوص عليها في الفقرة (2) من هذه المادة واجبات ومسؤوليات خاصة وعلى ذلك يجوز إخضاعها لبعض القيود ولكن شريطة أن تكون محدودة بنص القانون أو تكون ضرورية .

أ‌.       احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم

ب‌.   لحماية الأمن القومي أو النظام العام أو الصحة أو الآداب العامة.

 

وكررت المواثيق الإقليمية أو توسعت في ضمان وحماية حرية التعبير، فالمادة (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان تحمي حرية التعبير على مستوى الدول الأعضاء، والمادة (9) من الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب تضمن الحق نفسه. وكذلك المادة (13) من الاتفاقية الأمريكية لحماية حقوق الإنسان تنص على أن : لكل إنسان الحق في حرية الفكر والتعبير ويشمل هذا الحق حريته في البحث عن مختلف أنواع المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين دون ما اعتبار للحدود سواء شفهية أو كتابة أو طباعة أو في قالب فني و بأي وسيلة يختارها …

 

لقد وردت بعض القيود والاستثناءات " المشروعة " على حرية الرأي والتعبير مثل بقية الحقوق والحريات، في نص المادة (29) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والفقرة الثالثة من المادة (19) للعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وهو في مجموعها تحمي حقوق وسمعة الآخرين، والأمن القومي أو النظام العام أو الصحة والأخلاق العامة، وتعتبر حماية هذه الأغراض قيودا مشروعة على حق التعبير وخاصة حرية الصحافة. وكذلك الفقرة (2) من المادة (10) للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان نصت على " يجوز إخضاع ممارسة هذه الحريات التي تتطلب واجبات ومسؤوليات لبعض الشكليات آو الشروط آو التقيدات آو المخالفات التي يحددها القانون والتي تعد في مجتمع ديمقراطي تدابير ضرورية لحفظ سلامة الوطن واراضيه، والامن العام وحماية النظام ومنع الجريمة وحماية الصحة والأخلاق وحماية الآخرين وسمعتهم وذلك لمنع إفشاء المعلومات السرية أو لضمان سلطة الهيئة القضائية ونزاهتها ".

 

إن الأمم المتحدة وكافة الدول الديمقراطية والرأي العام الديمقراطي في العالم كله يكاد يجمع على أن حق الرأي والتعبير هو الركن الأساسي في كافة الحقوق الممنوحة للإنسان في المواثيق والعهود الدولية. وقد أكدت الجمعية العامة للأمم المتحدة أن حرية التعبير هي حق إنساني أساسي... وهي محك الاختبار لكل الحريات التي كرستها الأمم المتحدة، أكدت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على أن " حق حرية التعبير يشكل واحدا من الأسس الجوهرية للمجتمع الديمقراطي واحد الشروط الأساسية لتقدم وتنمية الإنسان ".

 

وهناك العديد من المعايير المتعارف عليها دوليا تضمن حماية حرية الرأي والتعبير نذكر منها:

 – حق معارضي الحكومة في التعبير عن آرائهم ونشرها في وسائل الاتصال الجماهيرية التي تملكها الدولة ، بما في ذلك الراديو والتلفزيون بالتساوي مع الآخرين (أي حزب الحكومة أو أي منظمة أخرى) وخاصة في أوقات الانتخابات العامة والمحلية .

-         حق الحصول على المعلومات وتأمين وصولها من مصادر الحكومة

-         حماية الحريات الأكاديمية والعلمية والتعليمية والتعبير الفني والأدبي.

-         ضرورة حصول على دعم حكومي لحق التعبير على أسس غير سياسية ويهدف لتعزيز وضمان النعددية .

-         حماية حق التوزيع والنشر .

-         الحق في إنشاء الإذاعات والمحطات التلفزيونية المستقلة ( الخاصة) .

  

ووصفت الجمعية العامة للأمم المتحدة حرية التعبير بأنها المحك لجميع الحريات التي تكرس الأمم المتحدة نفسها لها، وقد أشارت المحكمة الأمريكية لحقوق الإنسان " أن حرية التعبير حجر الأساس الذي يستند إليه النظام الديمقراطي ولا مفر منه لتشكيل الرأي العام. ويمكن القول بأن مجتمعا غير مطلع جيدا ليس مجتمعا حرا.

 

إن حرية التعبير مهمة لثلاثة أسباب رئيسية على الأقل ، أولها أن الحق في التغبير عن النفس ناحية أساسية لكرامة الإنسانية ، وثانيها إن افضل طريقة للوصول إلي الحقيقة  يتحقق من خلال وجود " سوق الأفكار " حيث يتم تبادل الأفكار ووجهات النظر بحرية ، وهذا لا يكون إلا إذا احترمت حرية التعبير وثالثها انه لا يمكن أن يكون هناك أي حوار مفتوح ونقاش علني بدون حرية انسياب وتدفق للمعلومات .

 

وبالاعتماد على دراسة تحليلية مقارنة لقوانين الصحافة في الديمقراطيات الأوروبية وغير الأوروبية ،الصادرة عن المركز الدولي ضد الرقابة المادة (19) والتي شملت 11 دولة وهي على النحو التالي  : استراليا ،النمسا ، كندا، فرنسا، ألمانيا، هولندا، النرويج، إسبانيا، السويد، بريطانيا، الولايات المتحدة .فقد أعلنت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن حرية الصحافة تلزمها حماية خاصة كي تتمكن الصحافة من لعب دورها الحيوي المنوط بها ، دور " الحارس العام " ومن تقديم المعلومات والأفكار التي تهم الرأي العام .

 

وتلعب العوامل الثقافية والاقتصادية والاجتماعية دورا هاما في تحديد مفهوم حرية الصحافة ، ولهذا نتيجة تفاعل وتداخل المؤثرات التاريخية والثقافية المختلفة وتلك المتعلقة بالتطور الاقتصادي الاجتماعي يستحيل تحديد نموذج نظري مجرد لقوانين الصحافة يمكن أن تحتذ يه البلدان الأخرى ، إلا أن القانون لا ينبغي التقليل من شأنه . فالقوانين هي نتاج تفاعل العديد من العوامل التاريخية والثقافية والسياسية والاجتماعية –الاقتصادية .

 

وخلصت الدراسة إلى سبع سمات أساسية مشتركة للدول الإحدى عشرة على النحو التالي:-

أولا: لا تطلب أي دولة من الدول التي شملتها الدراسة أي شكل من أشكال الموافقة الحكومية على إصدار صحيفة أو دورية وفي كل البلدان يعتبر عدم طلب تصريح أو غيرة من الموافقات الحكومية حيويا من جوانب حرية الصحافة.

ثانيا: لا تفرض أي من البلدان قيودا على تصدير الصحف وتنفرد ألمانيا وفرنسا من بين البلدان الأوروبية موضع الدراسة بفرض قيود على استيراد الصحف والمطبوعات تتعلق بمحتواها وفي ألمانيا نادرا ما تطبق هذه القيود.

 

ثالثا: لم يحدث على ما نذكر حديثا في أي بلد من البلدان التي شملتها الدراسة أن سجن أحد بتهمة التشهير بالحكومة أو الازدراء الموجه لها، أو لمؤسساتها أو لرموزها.

 

رابعا: تعترف كل البلدان الأوروبية محل الدراسة – عدا بريطانيا – بحق الوصول إلى المعلومات التي بحوزة الحكومة، ما عدا في الحالات التي يهدد كشفها بإهدار عدة قيم ( كلها مدرجة بالفعل في الفقرة (2) من المادة (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ).

 

خامسا: يفترض أن تكون الجلسات البرلمانية مفتوحة في كل البلدان التي شملتها الدراسة، ويمكن أن تتحول إلى جلسات مغلقة في ظروف محددة و محدودة النطاق.

 

سادسا : في كل البلدان الأوروبية موضع الدراسة – عدا بريطانيا وفرنسا – يمكن الدفاع عن نشر المعلومات الحكومية السرية بان الكشف عنها كان من اجل الصالح العام ويلقى هذا المسلك سندا قويا في المادة (10) من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، والتي تكفل حق تداول المعلومات باعتباره مصلحة عامة مشروعة، مما قد يعني اعترافا بان الصالح العام كشف أسرار الحكومة.

 

سابعا : تعترف كل البلدان الأوروبية التي شملت الدراسة – عدا بريطانيا والنرويج – بحق الصحفيين في حماية مصادر معلوماتهم السرية، ولا سيما فيما يتعلق بالمعلومات المتعلقة بالصالح العام ( بما في ذلك الجرائم الخطرة والفساد الرسمي ) ويبدو في النرويج أن هذا الحق معترف به بشكل راسخ في الممارسة العلمية، وقد أدخلت إصلاحات على القانون الفرنسي حديثا كي ينسجم مع الممارسة المشتركة.

 

كافة البلدان - باستثناء بريطانيا و استراليا - تحوي دساتيرها على ضمانات واضحة لحرية التعبير وتنص المادة (110 ) من الدستور السويدي على " حرية الحصول على المعلومات وتلقيها وغير ذلك من الوسائل للتعرف على تصريحات الآخرين....وذلك في إطار علاقتهم بالسلطات العامة " .

وتعتبر كافة بلدان الدراسة أطراف في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وكذلك  -  باستثناء ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا -  أطراف بالبروتوكول الاختياري الأول لهذا العهد ( الذي يخول للأفراد حق تقديم شكاوي ضد الدولة إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة ) وكذلك كافة البلدان الأوروبية هي أطراف في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ، وقد أقرت جميعها حق الأفراد في تقديم التماسات ، وكذلك حق المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في الفصل في القضايا المعنية .

 

وفي المجال التشريعي يوجد قانون موحد للصحافة في بلدين فقط هما أستراليا والسويد ، وهو يشتمل كل المواد التي تطبق على الصحافة ( وللقانون السويدي وضع دستوري ) ، بينما يوجد عدد من القوانين الاتحادية المتعلقة بالصحافة في ألمانيا ، حيث لكل مقاطعة (ولاية ) قانون موحد للصحافة ، وهي تتبع نفس النمط بوجه عام . أما فرنسا فلديها عدد من القوانين التي تطبق فقط أو في المقام الأول على الصحافة ، وإذا أخذنا في الاعتبار أن السويد وألمانيا تمنحان أقوى حماية للصحافة ، ولهذا يمكن القول بأن وجود قانون للصحافة ليس _ بحد ذاته _ نذير شر للصحافة .

 

 وهناك حاجة لدعم الصحافة من قبل الدولة لمحاربة الاحتكارات الإعلامية ، حيت نجد أن نظام الدعم المعمول به في السويد ناجح حيت لا يقدم الدعم إلا لثاني أقوى صحيفة في كل الأسواق الصحفية ، ولا تأخذ ألمانيا بنظام الدعم بسبب الاعتقاد بأن التوزيع غير المتكافئ للدعم قد يؤثر على اتجاهات هيئة التحرير ، وقد تغلبت النمسا على هذه المشكلة بمنح دعم متساو لكل الصحف التي تتقدم بطلب للحصول عليه . وتقدم معظم الدول أنواعا مستترة من الدعم عن طريق منح امتيازات ضريبية خاصة للصحف أو تخفيض أسعار الخدمات البريدية و التلفونية ( كما في النمسا وفرنسا وألمانيا والنرويج والسويد والولايات المتحدة ) وتلك الأنواع غير المباشرة من الدعم لا تثير جدلاْ وينظر إليها بوصفها مساندة ضرورية للصحافة

 

وبخصوص ترخيص وإصدار الصحف (في هذه البلدان ) لا يتطلب إصدار الصحف أي شكل من أشكال الموافقة الحكومية، والواقع أن الصحف والدوريات النمساوية معفاة من شرط الحصول على رخصة تجارية، وهو شرط لازم في أنشطة أخرى كنشر الكتب وطباعتها. وتفرض بعض البلدان ( فرنسا وإسبانيا وبريطانيا ) شرطاْ للتسجيل لكن السلطات لا تملك الحق رفض التسجيل .

 

وتطلب بعض البلدان ( استراليا والنمسا ) أن تطبع الصحيفة أسماء وعناوين ناشريها وطابعيها، كما تتطلب معظم البلدان إيداع نسخة واحدة على الأقل عن كل عدد من أعداد المجلة أو الجريدة في المكتبة الوطنية أو غيرها من أماكن إيداع المطبوعات ، وفي فرنسا يجب إيداع نسخ لدى سلطات محلية متعددة بما في ذلك مكتب النائب العام أو دار البلدية .

 

آليات التنظيم الذاتي للصحافة

 

يوجد نوع من أشكال التنظيم الذاتي الطوعي في ثمان من الدول التي شملتها الدراسة ، وفي ستة من البلدان الأوروبية توجد مجالس للصحافة (النمسا،ألمانيا، هولندا، النرويج، السويد، وبريطانيا)0 وكذلك الحال في استراليا ، بينما لا يوجد في كندا مجلس للصحافة ، توجد مجالس خاصة بالمقاطعات حيث يوجد أربع مجالس من اصل خمس مقاطعات 0 وتتمتع المجالس الصحفية كلها بحق تلقي الشكاوي ضد الصحافة واتخاذ قرارات بشأنها ،وبعض تلك المجالس يعمل أيضا على تعزيز حرية الصحافة وذلك بالإسهام في المناظرات التي تعقد حول السياسة العامة ، بإيفاد ممثلين إلى الاجتماعات الحكومية 0 ويوجد في السويد علاوة على مجلس الصحافة ، مفوض خاص لتلقي الشكاوي الخاصة بالصحافة ، وتلعب السكرتارية التنفيذية لمجلس الصحافة الأسترالي دورا شبيها بالمفوض الخاص لتلقي الشكاوي ، فكلاهما يحاول التوسط في النزعات قبل اتخاذ إجراءات اكثر رسمية في المجلس.

 

هذا وقد حددت مجالس الصحافة شروط مفصلة للوائح العمل الصحفي الداخلي تستخدمها كدليل لإصدار قراراتها ويمكن تلخيصها بالآتي:-

1-    الأمانة والإنصاف، والسعي لأخذ رأي أي شخص يكون موضع نقد في تحقيق صحفي قبل نشر التحقيق، وواجب تصحيح الوقائع المغلوطة، وواجب عدم تزييف الصور أو استخدامها بطريقة مضللة.

2-    إعطاء فرصة الرد على الآراء التي تتضمن انتقادا وعلى التحقيقات الصحفية التي تنقد وقائع .

3-    توخي الموضوعية شكلا ومضمونا، وبعض اللوائح تمنع العاملين في الصحافة من قبول الهدايا.

4-    التميز بين الوقائع والاراء.

5-   احترام حرية الحياة الخاصة.

6-    عدم استخدام وسائل غير أمينة للحصول على معلومات.

7-    عدم التميز أو إشعال الكراهية على أساس العنصر أو القومية أو الدين أو الجنس ، وبعض اللوائح تحض الصحافة على الامتناع عن ذكر الأصل العنصري أو الديني أو القومي للأفراد الذين تدور عنهم القصص الإخبارية ما لم يكن لذكر هذه المعلومات أهمية موضوعية للقصة، بينما يحث بعضها على تغطية الموضوعات التي تشجع روح التسامح.

8-    عدم تعريض حياة الناس للخطر .

9-    توفر معايير الآداب والذوق العام .

10-عدم الكشف عن المصادر التي لا ترغب في الكشف عن نفسها.

11-عدم الحكم مسبقا بإدانة أي متهم، ونشر نفي التهم عن أو إعلان براءة أي شخص تكون الجريدة قد سبق أن نشرت انه اتهم أو حوكم بالفعل.

 

وتعتبر مجالس الصحافة في السويد وهولندا من بين اكثر المجالس فعالية ، وكلها تضم في عضويتها أعضاء من غير العاملين في الصحافة ، كما أن المجلسين يرأسهم محامون.

 

وتوفر كل البلدان السبعة التي شملتها الدراسة والتي بها قانون مدني –عدا السويد- شكلا من أشكال حق الرد القانوني أو التصحيح ( النمسا، فرنسا، ألمانيا، هولندا ، النرويج، إسبانيا ) وفي معظم البلدان يعطى الشخص الذي يتعرض للادعاءات بخصوص وقائع تلقي ظلالا سلبية الحق في الرد دون أن يضطر مثلا لتقديم دليل على أن ما نشر بشأنه غير صحيح أو يستهدف التشهير (ألمانيا ، هولندا، النرويج ، إسبانيا) بحيث لا يزيد حجم الرد في معظم البلدان عن مساحة القصة الأصلية ، وتلزم الصحيفة بإعطاء نفس مستوى بروز المادة الصحفية التي ترد عليها القصة ،أي لا يجوز نشر الرد في باب بريد القراء.

 

 

taleb@palestine-pmc.com

talebawad@hotmail.com